متطوّع في القصرين يبني جسرًا من الخردة لربط قرى نائية بالمدارس
على مشارف ولاية سليانة، وفي منطقة غابيّة ساحرة المنظر، وعرة التضاريس، تزّينتْ منطقة أم الجدور من معتمدية جدليان التابعة لولاية القصرين(75 كم شمال مدينة القصرين)، بجسر يربط بين تجمّع سكاني داخل المنطقة الجبلية والمدرسة الابتدائية، وسط فرحة المتساكنين وترحاب من واكب أشغال تشييده، المبنيّة على الالتزام والتطوّع.
"نحن مدينون لبلد أعطانا كل شيء، ونحن نردّ جميله، اليوم، بالعمل، وبتشييد جسر، يحمي التلاميذ من مخاطر ووعورة مسالك الجبل... ذكرى شهيدة العلم مهى القضقاضي، لا تزال في ذاكرتنا" (تلميذة جرفتها سيول وادٍ أثناء توجهها لمقاعد الدراسة نهاية سنة 2019، في معتمدية فرنانة من ولاية جندوبة)...هكذا فسّر كريم عرفة، بملامحه الجدية، وبنظرته الثاقبة، أهداف مشروعه التطوعي في بناء جسر بمنطقة أم الجدور، على امتداد 15 متر وبعرض يقدّر ب 1.5 متر.
ليس جسر أم جدور البالغة قيمته ما يفوق العشرين ألف دينار القنطرة الوحيدة التي تطوّع عرفة لإنجازها، فقد سبقتها 7 أعمال أخرى، لصانع الأمل في أرياف تونس، هدفه في ذلك تقليل مخاطر طريق المدرسة على تلاميذ مناطق لا تزال تبحث لها عن مكان تحت الشمس، وفوق أرض قد تقسو على سكانها، وقد تساهم تضاريسها في هلاكهم إذا ما داهمت الأمطار قراهم، وتسببت في فيضان أودية يعبرونها يوميا طلباً للعلم.
يقول كريم بصوت جهوري يرسم أفكاراً واضحة ومسترسلة، مستحضرا تجربته في القصرين "البداية كانت منذ أشهر، عندما اتصل بي مواطن أصيل منطقة أم الجدور، وطلب مني التدخل العاجل لتوفير جسر يقي تلاميذ الجهة من ويلات ومخاطر الطريق. لم أتردد للحظة واحدة، وقَدمتُ لمعاينة الوضع...".
بعد دراسات في مكتب متطوع، ومع مهندسين انخرطوا في مشروع جسر يحمل أطفال الجهة من الظلام نحو خطوط الضوء، بدأ عرفة عمله دون هوادة، لاستقبال سنة دراسية تختلف عن سابقاتها في منطقة أم الجدور.
المشروع لا يعكس عملا تطوعيا لفائدة المجموعة الوطنية فحسب، بل يحمل مع مختلف مراحله طرافة وتجديداً، عبر تثمين نفايات وخردة كوّنت المواد الأولية لبناء الجسر.
يضيف عرفة "مؤسسة خاصة تكفلت بتوفير فواضل حديد شكّلت أهم مكونات جسر مدرسة أم الجدور. بإمكاننا إنجاز ما هو فارق لو انخرطت كل مؤسسات الدولة في تثمين النفايات... التخلص من البيروقراطية، أيضا، أمر مهم للتحليق بالوطن بعيدا."
يمشي عرفة جيئة وذهاباً فوق جسر وَهبَه لأطفال منطقة لا خيار لهم إلا التشبث بطريق المدرسة، رغم ما مضى عليها من خواطر وفواجع. يتفقّد بدقة جرّاح كل مكونات المنشأة... الجسر الآمن المعبّد بالحب نحو ضفّة الأمل جاهز، الآن، لاستقبال أطفال القرية...
برهان اليحياوي